صالح المعيل لعائلته المؤلفة من زوجة وأربعة أطفال يذكر المعاناة التي عايشتها أسرته في تأمين الغذاء بعد نزوحهم من بلدتهم في ريف حماه باتجاه ريف إدلب: ” طفلتي الصغرى لم تكن تحصل على ما يكفي من الغذاء, فهي لا تريد أن تأكل نفس الوجبة كل يوم من المعلبات التي حصلنا عليها من السلة الإغاثية”. عائلة صالح مثل الكثير من العوائل النازحة التي لا تملك إلا خيار الحصول على الغذاء من المعلبات التي يحصلون عليها من المنظمات الإنسانية التي تستجيب لحالات النزوح المستمرة في سوريا.
بالواقع فإن سوريا هي واحدة من أكثر المناطق التي يغيب فيها الأمن الغذائي للسكان، فبحسب الأمم المتحدة ما يزال أكثر من 13 مليون شخص بحاجة للمساعدة وأكثر من 6 مليون نازح في سوريا. ولكن الوضع لم يكن كذلك على الدوام، فقبل سبع سنوات كانت سوريا من أكثر بلدان المنطقة استقرارا من الناحية الغذائية ومنتجاتها الزراعية التي كانت فخرا للفلاح السوري ويكثر الطلب عليها للتصدير، وسكان سوريا كانوا معتادين على تنوع غذائهم لتنوع الأطعمة في المطبخ السوري الشهير.
الوضع الآن اختلف بعد سنوات الحرب والقصف واستهداف البنى التحتية في المناطق التي لا تخضع لسلطة الحكومة السورية، فأنظمة الري تعطلت والفلاحون هجّروا من أراضيهم والأسعار قفزت بشكل هائل مع ارتفاع نسبة البطالة، فالمواطن السوري اليوم لا يملك ما يكفي لشراء الحاجات المتنوعة التي كانت تعتبر من أساسيات البيت فيما سبق، وملايين الأسر السورية تعاني من نقص حاد في الغذاء.
في نهاية عام 2017 أطلقت مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بالتعاون مع WHH وبتمويل من وزارة الخارجية الألمانية مشروع دعم الأمن الغذائي في الشمال السوري. حيث يقوم فريق إحسان والذي يعمل في محافظة إدلب التي تستضيف عددا كبيرا من النازحين بتوزيع القسائم الغذائية بشكل شهري لنحو 3700 عائلة في المجتمعات المضيفة للنازحين. وتتيح القسيمة الغذائية المقدمة للعوائل المستحقة أن تقوم بصرف قيمة القسيمة البالغة 50$ مقابل ما تحتاجه من مواد غذائية في المتاجر التي تعاقدت معها مؤسسة إحسان لصرف القسائم.
صالح وأسرته كانوا سعداء جداً باستلام القسائم الغذائية وابنته الصغرى “سميرة” تحسنت وصارت أكثر إقبالاً على الغذاء.
إلا أن مشروع إحسان للقسائم الغذائية لا يهدف فقط إلى مساعدة الأشخاص الذين يقاسون شدة الجوع في سوريا، بل أيضا إلى الدفع بعجلة الاقتصاد المحلي من خلال بناء الشراكات مع المزودين المحليين.
يقول أحد أصحاب المخازن المحلية ، السيد عبد الحي: “الآن أستطيع تسديد ديوني وتسديد ثمن العلاج لزوجتي التي فقدت قدمها، حركة البيع والشراء ازدادت بشكل كبير في المتجر وفي السوق بشكل عام. ربما أقوم قريبا بتنويع السلع في المتجر لتلبي حاجة الزبائن الذين يأتون حاملين القسائم الغذائية المستلمة من مؤسسة إحسان.”
مع انتهاء مشروع توزيع القسائم الغذائية في نهاية الشهر المقبل والذي ساهم في تخفيف معاناة الأسر النازحة لتأمين الغذاء وأسهم في تحسين حركة الاقتصاد المحلي، فإن الأسباب الجذرية للأزمة لم يتم معالجتها حتى الآن. فسوريا ما تزال تحت وطأة الحرب وبعيدة عن الاستقرار ومعظم السكان يعانون من الفقر والبطالة، وحالات التهجير وموجات النزوح ما تزال مستمرة.
بعبارة أخرى فإن سوريا لديها احتياجات جادة لإقامة برامج مستدامة لمعالجة الفقر وانعدام الأمن الغذائي مع استجابات متكاملة تجمع بين المدى القصير والبعيد، وتجمع بين الاستجابة الطارئة لحاجات السكان مع بناء أساليب التكيف ودعم الصمود لهم ومساعدة الأسر على انتشال نفسها من دائرة الفقر. وهذا ما تقوم به مؤسسة إحسان من خلال المشاريع التي تنفذها بهدف تعزيز القدرات المحلية وتمكينهم ليمتلكوا أدوات الإنتاج بأيديهم.